عندما يتولى الرئيس المنتخب أوباما الحكم رسمياً، فإنه ربما يواجه أكثر التوقعات الاقتصادية في أميركا قتامة منذ الحرب العالمية الثانية. فمن المعروف إن تلك التوقعات قد انخفضت بشكل حاد خلال الشهور الماضية، حيث يعتقد العديد من الخبراء حالياً أن معدل البطالة قد يصل إلى 10 في المئة بنهاية العام المقبل، وأن اقتصادنا لن يكون قادراً على العمل بكامل طاقته مما سيعني خسارته لما لا يقل عن تريليون دولار في المجمل أو 12 ألف دولار للأسرة الأميركية المتوسطة المكونة من أربعة أفراد. وعلى الرغم من صعوبة تلك الأوضاع، فإن إدارة أوباما سترث أيضاً اقتصاداً يتمتع بإمكانيات كامنة هائلة في المديين المتوسط والطويل. فالاستثمارات في طائفة كبيرة من المجالات تشمل الطاقة، والتعليم، والبنية الأساسية، والرعاية الصحية، يمكن أن توفر إمكانيات تحقيق عوائد اجتماعية مرتفعة بصورة استثنائية، مع السماح للبلاد في نفس الوقت بمعالجة بعضٍ من تحدياتها الوطنية طويلة الأمد، ووضع الأسس الراسخة التي يمكن لاقتصادها الاستناد عليها، والانطلاق بقوة خلال السنوات القادمة. في الأزمة الحالية يمثل اتخاذ إجراءات أقل مما ينبغي، تهديداً يفوق بكثير ذلك التهديد الذي يمكن أن ينتج عن اتخاذ إجراءات أكثر مما ينبغي. وأي استراتيجية اقتصادية سليمة في السياق الحالي، يجب أن توجه إلى خلق وظائف جديدة يحتاجها الأميركيون، واتخاذ الإجراءات التي يحتاجها اقتصادنا. وأي خطة يجري توجيهها لهدف واحد فقط من بين ذينك الهدفين ستكون قاصرة بدرجة خطيرة: فالفشل في إيجاد وظائف جديدة في المدى القصير، سوف يعرض خطة الإنقاذ الاقتصادي للخطر، كما أن الفشل في خلق استثمارات طويلة الأمد سيعرض أسس الإنقاذ، ومن ثم رفاهية أطفالنا المستقبلية للخطر أيضاً. ورئيسنا المنتخب يفهم كلا من الخطر الذي ينطوي عليه الوضع، والوعد الذي يقدمه. كما يفهم أيضاً أهمية الاستجابة للظروف المتغيرة. لذلك السبب، ينخرط فريقه الاقتصادي حاليا في صوغ مقترح شامل بشأن عملية الإنقاذ الاقتصادي، وخطة إعادة الاستثمار، يهدف لدعم الوظائف، وتوفير المداخيل الضرورية للإنقاذ، مع القيام في الوقت نفسه بتقديم دفعة مقدمة من أجل تحقيق العافية المالية طويلة الامد لأمتنا. ومن بين الأسس الرئيسية التي ستعتمد عليها خطة أوباما، ذلك الخاص بتوفير الوظائف. ففي مواجهة التنبؤات الاقتصادية الآخذة في التناقص، قام أوباما بزيادة عدد الوظائف التي يزمع توفيرها إلى 3 ملايين وظيفة، غير أنه يلزم هنا الإشارة إلى عدد من الحقائق هي: أولاً أن عدد الوظائف التي سيمكن توفيرها في غيبة أي خطة إنقاذ سوف يكون أقل بنسبة كبيرة للغاية عن تلك التي يتم توفيرها مع وجود مثل هذه الخطة. ثانياً، أن 80 في المئة، من الثلاثة ملايين وظيفة التي سيتم خلقها ستكون في القطاع الخاص، بما في ذلك القطاعات الصاعدة حديثاً فيه، مثل قطاع التقنية البيئية. وعلى رغم أن ذلك يمثل هدفاً جريئاً في حد ذاته، فإن الاقتصاديين من مختلف درجات الطيف السياسي يعترفون أن الوقوف بصلابة أمام القوى التي تدفع اقتصادنا بقوة للأسفل، أقل خطورة بكثير من اتخاذ موقف متردد في وجه أزمة متصاعدة. وخطة أوباما لا تمثل مجرد خطة جديدة للأشغال العامة، وإنما تمثل بدلا عن ذلك استثمارات سوف تعمل من أجل صالح الشعب الأميركي. استثمارات من أجل بناء فصول، ومختبرات، ومكتبات يحتاجها أبناؤنا لمواكبة التحديات التعليمية في القرن الحادي والعشرين. استثمارات من أجل المساعدة على تقليص الاعتماد الأميركي على النفط الأجنبي، من خلال تشجيع مبادرات الطاقة القابلة للتجدد (العديد منها مؤجل حالياً بسبب أزمة الائتمان). واستثمارات من أجل إعادة ملايين الأميركيين إلى العمل مجدداً من أجل بناء طرقنا، وجسورنا، وأنظمة نقلنا. واستثمارات من أجل تحديث نظام الرعاية الصحية، وهو أمر ضروري لتحسين مستوى العناية بمرضانا في المدى المتوسط كما يعتبر مفتاحا من مفاتيحنا الأساسية لتخفيض التكلفة في كافة المجالات. إن وضع الأسس اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي والرخاء المستقبلي يتطلب من واشنطن الإقلاع عن العديد من عاداتها. فعلينا أولا أن نقيس ما نحققه من تقدم ليس من خلال أجندات جماعات المصالح، وإنما وفق النتائج التي يلمسها الشعب الأميركي بالفعل، وعلينا ألا نركز على الإيديولوجية فحسب، وإنما على رسم أفضل الأفكار المقدمة من مختلف الجهات. لعل هذا، على سبيل المثال لا الحصر، هو الذي يدفع أوباما نحو تشجيع الاستثمارات العامة وإزالة الحواجز التي تعطل الاستثمارات الخاصة.كما أنه هو أيضاً السبب الذي يجعل خطته تعتمد على كل من الإنفاق الحكومي، والتخفيضات الضريبية من أجل رفع المداخيل، وتعزيز التعافي الاقتصادي. لقد أصر الرئيس المنتخب باراك أوباما على أن تكون الاستثمارات المقترحة في خطة التعافي الاقتصادي مستوفية لمعايير أعلى بكثير من المعايير التقليدية. حيث لن تكون هناك مخصصات وإنما سيتم انتقاء الاستثمارات استراتيجياً بناء على العائد الذي ستحققه، أي تفضيل الاستثمارات التي تحقق عائداً مرتفعاً للاقتصاد عن تلك التي تحقق عائداً منخفضاً. علاوة على ذلك سوف تتم مراقبة مثل هذه الاستثمارات، ليس فقط من قبل موظفين رسميين بل من قبل الجمهور الذي سيتسنى له الإطلاع على حقائق الأوضاع عندما تتبع الحكومة سياسات شفافة. ونحن نتوقع أننا سنكون قادرين على التقييم، وعلى أننا سنكون خاضعين للتقييم النشط في الوقت ذاته، كي نضمن أن واشنطن سوف تكون مسؤولة عن كل دولار تحصله من دافعي الضرائب الأميركيين. البعض يرى أنه قد يكون من الأفضل لنا أن نقوم ـ بدلا من من خلق الوظائف والاستثمار في نمونا الاقتصادي الطويل الأمد ـ بالتركيز بشكل حصري على السياسات قصيرة الأمد التي تؤدي إلى تشجيع الإنفاق الاستهلاكي. ولكن على من يقترح ذلك، أن يتذكر أن بعض المشكلات والتحديات التي نواجهها في الوقت الراهن، قد نشأت في الأساس نتيجة لاتباع هذا النهج. وأن هذا النهج تحديدا هو الذي يتعين علينا رفضه، إذا كنا نريد تقوية طبقتنا الوسطى، واقتصادنا في المدى الطويل. وضخامة حجم العمل الذي ينتظرنا، يجب أن يكون سببا يدفعنا للبدء في هذا النهج لا عذرا نستخدمه لتبرير عجزنا وتسويفنا للأمور. لورانس سمرز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وزير الخزانة في عهد كلينتون والمرشح لرئاسة المجلس الاقتصادي القومي التابع للبيت الأبيض في إدارة أوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"